الأربعاء، 3 ديسمبر 2008

حكاية الأسر


(1)


دائما في الظلام .. يُخطفون من كما الحلم

فلا نفرق بين رحيلهم القسري والموت

لأنهم أحرار .. دفعوا الثمن غاليا

عمرٌ منفي خلف قضبان السجون , وذكرى

البارحة كان يتقلد رشاشه .. واليوم تكبله القيود

وحيد أو مع رفاقه في الزنزانة ، يلوك بألم غصة الفراق

دخلوه ظلما أعفياء ، حتى طوحهم الشوق

فتآكلت أجسادهم واستجابت للتعب أرواحهم .

(2)

في الذاكرة كانوا على فراشهم الدافئ أصحاء ومعافيين

واليوم في المستشفى الصوري على الفراش البارد مرضى ومتعبين

يمر السجان بالثوب الأبيض أمامهم مختالا ، يبخل عليهم قطرة ماء أو مسكن للألم

كأن لهم مطلق الحق بمصادرة أعمارهم

مرة بتضييع أجمل سنوات حياتهم في غرفة لا تتجاوز الأمتار / يبكيها الفجر والنور من شباك يتيم تحرسه القضبان

ومرة أخرى في غرفة مشابهة مكسوة بالأبيض ، يطلقون عليها مستشفى

وهي أبعد ما تكون عن ذلك .

(3)

في أي شريعة حق لهم الطغيان .. في أي كتاب سماوي أمروا بالظلم، وأي إنسانية هذه التي يمارسون بها جرائمهم ضد الإنسانية ؟؟

هل منحهم الله حقا خالصا بالحياة ونحن لا ؟

هل أجاز لهم عيسى ذبح الناس أحياءا آلاف المرات ؟

هل باركهم موسى وأثنى عليهم لون دمنا الأحمر في أياديهم وثيابهم ؟

أي دستور أعطاهم الحق بأسرنا، تجويعنا ومن ثم إهمالنا أجسادا بالية على فراش بارد ومكبلين بالسلاسل ؟؟

(4)

لما ودعوهم .. نزفوا الدموع حرقة لفراقهم.. يرسمون بعيونهم آمالا بالإفراج عنهم بعد وقت يقصر أو يطول

لم يكن في الحسبان أبدا المرض ..

كأن جدران السجن جو صالح لانتشار الأمراض .. فكلهم يمرضون

وأمراضهم مع الإهمال تتفاقم

فلا تطبق جنيف .. ويبقى الأسير صريعا بين بنودها باحتمالات الربما

فربما يعيش وربما يموت .

(5)

عائلة درابيه نموذج لمأساة واقعية .. لكنها ليست الوحيدة

فسالم الشاعر ذو الستين عاما يقتله سرطان الرئة ببطء.. لا علاج ولا إفراج

وعويضة كلاب ، أودع عقله أمانة في السجن الانفرادي الذي صاحبه عشرة أعوام .. معلنا للعالم كله أن عقله الثوري أكبر من أي سجن .. فحتى العزل لعشر سنوات أبقت عليه بريئا .

(6)

48 نكبتان ..مرة حملنا بها جميعا أرواحنا والأمتعة على عربات ، خوفا على ما تبقى من حياة نرجوها بشوق لأطفالنا

ومرة أخرى بعدد من توفي في السجن الإسرائيلي يرجو من الحياة مسكنا لألم جسده.. ظانا بذلك قدرة سحرية تمكنه من العيش أكثر لسنة أو اثنتين

فيصبح الموت بعد ذلك دافئا في الوطن .

(7)

اهلى هناك واقفون .. يدقون الأرض بأقدامهم المنهكة

تشهد لهم أبواب الصليب الأحمر صبرهم

تواسيهم السماء مرارا .. فتخفي جزء من لهيب الصيف

قبلا كانوا يطالبون برؤيتنا بينهم في البيوت والميادين والشوارع

واليوم يرجون تصريحا يمكنهم من حضن ملامح وجوهنا من خلف الشبك

فعقاب جماعي جامع جديد .. حال دون ذلك .

(8)

هكذا الحال في السجن الإسرائيلي .. لا حضن أم يحتوينا

ولا صلابة أب نخفي خلفها عجزنا

السجن والمرض فقط .. تآمرا معا .. يخطفان آخر الأنفاس

ويلهوا يكف شاءا بالجسد .

(9)

السجون قبور باردة .. من فيها أموات

كانوا أسرى لسجان طاغٍ .. واليوم هم أسرى للمرض

يحوم حلوهم الموت بصمت مخيف .. يلتهم ما يشاء من أحلامهم بلا حساب

وفي كل مرة يترقب لحظة استسلامهم للتعب ...

الجمعة، 22 أغسطس 2008

بحجم " الوطن" !!!











استيقظت اليوم باكرا على غير عادة ، لبست ثيابي وخرجت قاصدة وزارة الداخلية .. أسير بخطى سريعة .. أحاول أن لا ألتفت لشئ ، هدفي اليوم محدد .. لا يمين ولا شمال

وزارة الداخلية .. قسم الجوازات

اليوم تمنحني الدولة للمرة الثانية حقا ( منقوصا ) بالسفر

اليوم أنجبت لي الدولة جوازا جديدا ،، حملته في كفي .. باركت للدولة الولادة .. أهديتها (نقوط 150شيكل ) وخرجت.

يا لهذا المولود ... ما أصغر حجمه .. بحجم الوطن

يلبس الأخضر كالوطن

السلطة الفلسطينية منقوشة بالخط البارز على جبينه مثل الوطن .

خرجت من باب الوزارة .. انتظرت في الشارع قليلا .. علَّني أحظَّ بسيارة أجرة تحملني إلى بيتي ،، لم أتوقف كثيرا .. ولكني مللت الانتظار .. قررت أن اقطع المسافة مشيا .. لربما أجد المتعة في السير

ابن الدولة الشرعي ما زال بيدي .. خشيت عليه حرَّ الحقيبة .. تركته يستنشق معي غبار الحياة

سأبدأ أنا بتربيته .. فأمه قد باعتني إياه - حقا - بقليل من النقود .. ما أسخاها

- هل ترى يا بني هذا الطريق .. يسمى شارع ___ ، عليه يسير العشرات يوميا .. يحملون رؤوسهم على أكتافهم .. وآلاف الأفكار السوداء ، كل من يَّمر على إسفلته الساخن .. له حياة .. أتسمع بني ما أقول

حياة ..

حيـــــــــاة

أتعرف معنى الحياة ؟؟ ..

كيف سأربي هذا المولود وأنا لا اعرف معنى الحياة ؟؟!!!!

مممممم.. لقد وصلنا البحر ..

ما أجمل لونه .. أعشق اللون الأزرق .. السماء ،البحر وعينا والدي

كلها مرسومة بالأزرق

أحب الأخضر أيضا .. لا تغضب يا ابن الوطن

أترى معي .. الأطفال الصغار ..

ما أجمل البراءة لما يّخطها الموج على الأجساد الغضة المبللة ..

كم كنت أتمنى أن أتبلل بالموج طفلة .. ويحتضن جسدي المرتعش وطناً .. يُمسد على شعري المبتل .. وأغفو بين أحضانه .........

هنا .. على هذا الرمل الأصفر .. ألقى الناس بهمومهم جانبا .. ومضّوا

وهناك .. على الرمل الأصفر .. لفظ الوطن حلم شبيهتي بالاسم ..وأهداها البحر صاروخا ..

فرقها عن أهلها للأبد .. ومضى

اشعر بالجوع يا ابن الدولة الشرعي .. وقد تصلبت شفتاي عطشا

اشتاق في هذه اللحظة لخبز أمي .. وقهوة أمي، أو حتى خبزاً غير خبز الوطن وماءً غير ماء الوطن ..

ما أتعسني ..

اعتقدت أن جوعي للقدس اكبر من أي جوع .. وعطشي للحرية أكبر من أي عطش

عندما يشعر الإنسان بالجوع .. يلقي بالوطن خارجا .. ويبحث عن ما يوقف ألم معدته ... وهكذا أنا ...

ربما بمقدوري تحمل ألم المعدة .. فألم الروح أكبر ولكن العطش .. آآآآآآآآآه .. شفتاي تتمزقان ..


أي وطن هذا لا يعطيني قطرة ماء والبحر مُلك له ..

أي وطن هذا لا يمنحني معدة حديدية لألوك صبر أكثر من خمسين عاما ..

أي وطن هذا لا يمنحني غير شعار (النصر لنا والموت للمعتدين )

و جواز سفر .. صغير .. ( لا يعمل مدى الحياة )


يكفيك يا ابن الدولة الشرعي هماً .. لا زلت صغير .. أُدخل الحقيبة سأحملك والوطن .. وأمضي

فالوطن بحجم الكف .. وأنت بحجم الكف


وصلت البيت ..

والدي والدتي .. السلام عليكم

- لماذا تأخرتِ

- قطعت المسافة مشياً

- أحضرتي جواز السفر ..

- في الحقيبة

- يبدو عليكِ التعب

- لا.. أشعر بالعطش فقط


أخذت زجاجة ماء باردة .. غيرت ملابسي .. تمددت كالأموات على البلاط البارد .. بيدي ما يرويني ويرطب شفتاي الوطن في حقيبتي .. أنتظر أن يكبر جواز السفر .. لأرحل بالوطن بعيدا وتصبحون على ما تبقَّ من أمل


هدى


السبت، 16 أغسطس 2008

غدرٌ أسودٌ كـ " الليل "


هو الليل من جديد ،،،

أرخى عبائته الثقيلة على المكان ... فاستوت الخلائق جميعها

لا يفرق النوم بين البشر ..

هو كالبحر

لا يعرف مواثيق الصباح ...


أحيانا يجعلني أميرة في حلمي .. فلا أفضل النهوض .. وأنبذ الشمس

كثيرا ما يجبرني على انتظار الفجر ،،،

صداقة الليل لا تدوم ،،،

فهو ان كان شهما ، فتح أبواب الحلم الجميل ، أدخلني القصور وتوجني الأميرة

وإن خالف ظني ، ،،وما أمهره ،، ، كشف جبني .. عراني .. وقلب قصري جحيما

لهذا يختلف " المخيم"


في مساحة الأمتار المتروكة هباءً بين أزقة المخيم ، لنا
ذكريات ،أحلام ، أصحاب ، مشاكل ، هموم ، ضحكات ودموع .
فهنا ولدت لاجئة ببطاقة زرقاء، وانتسبت لمدرسة للاجئين،وهنا منحتني الأمم المتحدة دفاتر وأقلام وملابس مدرسية وطعام
وهنا أيضا أنتظر موعد تسليم الكوبونة ، وتقاسمت الخمس شواكل بالعيد وإخوتي الأربعة

و هنا وصمت "بشرف اللجوء"

في المخيم
حكايات ...

أم محمد الجارة العجوز التي لا تنجب .. تبنت طوعا واحد من أبناء أم إسماعيل تدفع عليه دم قلبها .. حتى بكون سندا لها في الكبر ، وكأن العمر يحتمل دفع دم جديد .. وانتظار المجهول >> مسكينة أم محمد

وأبو خليل بياع الفلافل .. أقسم بالله مُغلظا أن (قرص الفلافل بيرقص ) لما أصاب زلزال خفيف المنطقة >> يبدو أن الأرض في القوى أكثر ثباتا منها في المخيم .
وهنا مهدي الشاب الظريف .. لاحق ابنة الجيران حتى ربطه والده بـ (عمود كهرباء وسط المخيم ) >> نيالك يا مهدي .. أصبحت عيسى وبكتك نسوة الحي كلها .
وهنا ( أبو رسلان ) الرجل ( الأهبل ) الذي كان يطاردنا إذا ما مررنا صدفة أمام عتبه بيته >> خيبة اللجوء أعمت بصيرته فلا يميز بين الطفل الصغير والجندي الذي يحمل سلاحا يرغمه به على الرحيل .. خيبة اللجوء وذكريات حمراء حملها في ذاكرته الخمسينية أعمت بصيرته .

( وعطية ) المنحوس .. مدرس اللغة العربية سابقا .. يحمل شنطته بيده ويدور في أزقة المخيم << الضيقة >> يذكر الناس بالمفعول والمنصوب والمجرور .. شارحا سبب الهجرة باختلاف العلماء على إيجاد ( حتى ) المصدرية ،،
كنا إذا ما مَّر أمامنا تعوذنا بالله من المصائب فهو ( منحوس ) يجلب للناس البلاء >> ظنا منا أن البلاء بعيد عن ملامحنا التي يملؤها التراب

وهنا الحج عمر والحج صافي والحج محمد والحج الحمراوي ( لشدة احمرار وجنتيه ) يلعبون ( السيجة والقال ) >> فهم بعد ضياع الأرض والمنجل ( يبعزقون ) آخر ما تبقى من العمر على ناصية الشارع الرملي
.................
في المخيم
أعلنت للعالم ولادتي ..منذ أول نفس لي في مستشفى حكومي >> " فالعمر يبدأ بنفس استنشقه يوم ميلادي .. لأزفره يوم الوفاة ، وما أقصره"

وفي المخيم كبرت عشرين سنة .. وأكثر .. يبدو أن بمقدوره أن يتحملني أكثر وأكثر
هنا في المخيم .. اجتاحتني لحظات فرح .. كما لو أنها طوفان
وهنا في المخيم .. احتضني الليل بدموعي وحيدة ووحيد ..
تقاسمنا الهموم .. أنا والليل .. عشاقا وأصحابا .

وليل المخيم ما أسهل أن يطول إذا لمح دمعة تترقق في مقلتيك
وما أسرع أن يرحل .. إذا عرف من العصفورة انك ابتسمت لقصة حلم كنت قد رسمت له خطة وردية بسنة وأكثر ..