الجمعة، 22 أغسطس 2008

بحجم " الوطن" !!!











استيقظت اليوم باكرا على غير عادة ، لبست ثيابي وخرجت قاصدة وزارة الداخلية .. أسير بخطى سريعة .. أحاول أن لا ألتفت لشئ ، هدفي اليوم محدد .. لا يمين ولا شمال

وزارة الداخلية .. قسم الجوازات

اليوم تمنحني الدولة للمرة الثانية حقا ( منقوصا ) بالسفر

اليوم أنجبت لي الدولة جوازا جديدا ،، حملته في كفي .. باركت للدولة الولادة .. أهديتها (نقوط 150شيكل ) وخرجت.

يا لهذا المولود ... ما أصغر حجمه .. بحجم الوطن

يلبس الأخضر كالوطن

السلطة الفلسطينية منقوشة بالخط البارز على جبينه مثل الوطن .

خرجت من باب الوزارة .. انتظرت في الشارع قليلا .. علَّني أحظَّ بسيارة أجرة تحملني إلى بيتي ،، لم أتوقف كثيرا .. ولكني مللت الانتظار .. قررت أن اقطع المسافة مشيا .. لربما أجد المتعة في السير

ابن الدولة الشرعي ما زال بيدي .. خشيت عليه حرَّ الحقيبة .. تركته يستنشق معي غبار الحياة

سأبدأ أنا بتربيته .. فأمه قد باعتني إياه - حقا - بقليل من النقود .. ما أسخاها

- هل ترى يا بني هذا الطريق .. يسمى شارع ___ ، عليه يسير العشرات يوميا .. يحملون رؤوسهم على أكتافهم .. وآلاف الأفكار السوداء ، كل من يَّمر على إسفلته الساخن .. له حياة .. أتسمع بني ما أقول

حياة ..

حيـــــــــاة

أتعرف معنى الحياة ؟؟ ..

كيف سأربي هذا المولود وأنا لا اعرف معنى الحياة ؟؟!!!!

مممممم.. لقد وصلنا البحر ..

ما أجمل لونه .. أعشق اللون الأزرق .. السماء ،البحر وعينا والدي

كلها مرسومة بالأزرق

أحب الأخضر أيضا .. لا تغضب يا ابن الوطن

أترى معي .. الأطفال الصغار ..

ما أجمل البراءة لما يّخطها الموج على الأجساد الغضة المبللة ..

كم كنت أتمنى أن أتبلل بالموج طفلة .. ويحتضن جسدي المرتعش وطناً .. يُمسد على شعري المبتل .. وأغفو بين أحضانه .........

هنا .. على هذا الرمل الأصفر .. ألقى الناس بهمومهم جانبا .. ومضّوا

وهناك .. على الرمل الأصفر .. لفظ الوطن حلم شبيهتي بالاسم ..وأهداها البحر صاروخا ..

فرقها عن أهلها للأبد .. ومضى

اشعر بالجوع يا ابن الدولة الشرعي .. وقد تصلبت شفتاي عطشا

اشتاق في هذه اللحظة لخبز أمي .. وقهوة أمي، أو حتى خبزاً غير خبز الوطن وماءً غير ماء الوطن ..

ما أتعسني ..

اعتقدت أن جوعي للقدس اكبر من أي جوع .. وعطشي للحرية أكبر من أي عطش

عندما يشعر الإنسان بالجوع .. يلقي بالوطن خارجا .. ويبحث عن ما يوقف ألم معدته ... وهكذا أنا ...

ربما بمقدوري تحمل ألم المعدة .. فألم الروح أكبر ولكن العطش .. آآآآآآآآآه .. شفتاي تتمزقان ..


أي وطن هذا لا يعطيني قطرة ماء والبحر مُلك له ..

أي وطن هذا لا يمنحني معدة حديدية لألوك صبر أكثر من خمسين عاما ..

أي وطن هذا لا يمنحني غير شعار (النصر لنا والموت للمعتدين )

و جواز سفر .. صغير .. ( لا يعمل مدى الحياة )


يكفيك يا ابن الدولة الشرعي هماً .. لا زلت صغير .. أُدخل الحقيبة سأحملك والوطن .. وأمضي

فالوطن بحجم الكف .. وأنت بحجم الكف


وصلت البيت ..

والدي والدتي .. السلام عليكم

- لماذا تأخرتِ

- قطعت المسافة مشياً

- أحضرتي جواز السفر ..

- في الحقيبة

- يبدو عليكِ التعب

- لا.. أشعر بالعطش فقط


أخذت زجاجة ماء باردة .. غيرت ملابسي .. تمددت كالأموات على البلاط البارد .. بيدي ما يرويني ويرطب شفتاي الوطن في حقيبتي .. أنتظر أن يكبر جواز السفر .. لأرحل بالوطن بعيدا وتصبحون على ما تبقَّ من أمل


هدى


هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

طيب ماقلتيش ايش بدك فى ابن الوطن قصدى فى جواز السفر ؟!
اسلوبك بالكتابة جميل جدا , اتمنى لكى التوفيق .