الاثنين، 18 يناير 2010

يوم خُطفتَ مني ..وحماني كُرسيَّ "المتحرك"






ترويه/هدى بارود
سأتكلم اليوم، بعد أن اعتدتُ حزنا مبهما، أَنفذَ دموعي وعّلم على خديّ خطين حارقي الملمس مالحي الطعم، وسَربَ لروحي عبير ذكراكَ التي ما كنت لأنساها، أو يغفلَ عنها قلبي فائض الاشتياقِ إليك.
صغيري البريء أتذكرُ يوم حملتك في المهد طفلا، وزينت ملابسك الطفولية "بكفٍ" ذهبية يتدلى من إبهامها خرزة زرقاء، تحرس جمال عينيك من "حسدٍ" أو شرٍ يتقصدُ إصابتهما، أوتذكرُ يوم "أتعبتك" بأغان "عجوز" رفضت الاستماع لها منشدا أشعارا عَجزتُ أنا عن فهمها، وضحك والداك..
عاهدي ويا روح قلبي، إن كانت المسئولية التي ألقيناها على كاهليك بعد وفاة والدك أرهقت "عمرك" الغض، ونسيتَ ما كان على هامش طفولتك من ذكرى تخلدُ براءة روحك وطهرها، أنا لم أَنسَ، والذكرى حتى اللحظة، "تتلاحق" كأمواج بحر "متلاطمة" في عقلي "الثمانيني" عصيّ "النسيان".
مرّ عام "البارحة" على رحيلك... عامُ كامل ما جّفت فيه الدموع، ولا توقف نزف القلب المُنهك عن النحيب حرقة واشتياقا.
صغيري "الرجل"، استيقظتُ اليوم على اسمك يُجهر به عاليا، ويتلوه التكبير والتهليل، كأنك قائد تفتخر فيه مدرستك " الفاخورة " التي درستَ بها نصف عمرك، وكانت شاهدا على استشهاد جسدك وذبح روحي..
يا ابن قلبي، مرّ عام من تاريخ 6/1/ 2009، وكم تفيض أحداثه من عقلي، فأوله نور سطع عنوة من وجهك "الطاهر"، وآخره نور لفّ جسدك الصغير بأبيض، وأسكن روحكَ السماء..
ذاك الصباح اهتزّ جسدي المُقعد على صوت انفجار قوي، صرختَ منه خوفا، والتجأت إليّ، كأني يا روح قلبي "بطلُ" أدفع الخطر خارجا، ويا ليتني فعلت يا "بطلي"...
قبل ليلة فقط من هذا التاريخ، هربتَ إليَ حاملا أخوك الصغير محمد، خوفا من قصف يطال بيتكم، بعد تهديد وصل جيرانكم بإخلاء المنزل، ولجأت يا ابن روحي إلى حضني أول الليل، ولما انتصف، واشتد سواده، انكمشت في جسدي أكثر، ومع الصباح خرجتّ، ليرجعكُ الصوت إلى جسدي المتعب والملقى على السرير، بجواره الكرسي "المتحرك".
استأذنتني لترافق عمك إلى منزلكم الذي يبعد شارعين فقط عني، لتعود مسرعا وتخبرني أن جزءا لا بأس فيه من منزل والدك، هُدم نتيجة قصف البارحة، وأنك راجعٌ لانتشال ملابس أخوك وأختك الوحيدين، ووعدتني بالعودة سريعا.
يومها يا "عاهد روحي" خفتُ ألا ترجع، ووصيتُ عمك أن يحميك لو حاول مكروه اللحاق بك، وأن يمت هو، وتبقى أنت حيا، وعدتما والحمد لله معا، ليخبرني أن وجهك "ينضب" نورا، وأنه يخشى أن تكون يا ابن الرابعة عشر قلدته وحلقت ذقنك..
أتذكر.. ضحكتُ من كلام عمك حتى أوقعتُ من فمي بالخطأ " طقم أسناني" القديم، لتُسرع إلى الأرض، تغسله وتعيده إلى يديَّ "المجعدتين"، وتُقبلهما..
"يااااه يا عاهد"، حرك حنانك ذكرى كـ"المارد"، لم تغفل عني، وأرجع عقلي ليوم، بكى فيه الحاضرون لعُرس أختك الوحيدة، حزنا وتأثرا على نحيبك الحارق، كأنك يا صغيري أم افتقدت ابنها يوم فرحةٍ كان من المُفترض حضروه لها..
أتذكر.. أعطاك عمك " النقوط" تُسمها لأختك وتسد فراغا مكانيا تركه والدك الشهيد "إياد قداس"، ولكنك رغم حركتك السريعة وطفولتك الجَلية، افتقدته، وأجهشك البكاء، فأبكيت الحاضرين..
" عاهدي الرجل" مرّت ساعات النهار طويلة، جمعتنا في غرفة واحدة حتى مرت الواحدة ظهرا.. والثانية.. واقتربت الثالثة، اهتزّ جسدي المُلقى على السرير مجددا، وغطى صوت انفجار هزّ المنزل على صوتي، وهرب الجميع من حولي، إلاك..
جميعهم أخلوا وأنت انتظرتني لألبس "ملائتي" الأبيض وأنقلُ جسدي الثقيل على الكرسي "المتحرك"، لتجرني هاربينِ خارجا..
توقف صوت الإنفجارات، ولم نكن قد تجاوزنا باب المنزل، فعدنا من جديد للداخل، وعادت العائلة، ليقترح عمك أن نبات الليلة في مكان آخر، خشية الإصابة بضرر، وكالعادة انتظرتني لتحمل متاعي، وتجرّ جسدي الضعيف..
سبقتني أول مرة، لتساعد والدتك، ولكنك عدت، وأنا انتظرتك كالعادة، فأنت عند " حسن" ظني دائما، دفعت عربتي يا " روح روحي" بحنان اعتدتُ رؤيته مُسطرا على ملامح وجهك، وحدثتني قائلا " جدتي، أأشبه والدي حقا؟"..
يا ليتك لم تسأل، يااااا ليتك يا عاهد لم تسأل، فأنت " نسخة" مكررة عنه، وأخشى التفكير بمصير واحد يجمعك به..
اسمع يا صغيري.. أنت كوالدك، ولكنك ستكبر حتما لتحقق حلمه، وتحمي والدتك وأختك، وتكون القدوة الأكثر "حسنا" لأخوك الأصغر، ولتحمل اسم " إياد قداس"، ولن تمت يا عاهد، فأنا أكبر منك، وأنتظر الموت عنك، يا ابن قلبي لن تمت..
كبرت يا صغيري، وما أجمل مجادلتك، وغريب إصرارك على أن نتبع القدر باتجاه مدرسة "الفاخورة" ، رغم اقتراحا الاتجاه شمالا..
دفعت كرسيي يا عاهد، ودفعت عمرك بدلا مني، وحين اقتربنا من المدرسة، اخترق أذني صوت انفجار، وشعرت بك تسقطت يميني، ويقلبُ فيّ الكرسي يسارا...
كيف قُتلت يا "عاهد روحي"، وكيف عشتُ أنا، كيف ذبحتك شظية في العنق، وتلقى عجزي على الكرسي الموت عني؟؟... بياض وجهك ذالك اليوم نافس بياض "الكفن" وتفوق عليه، رغم ازدحام الأول بدموعي وقبلاتي..

ليست هناك تعليقات: